ما هو الروتين؟ وهل الروتين بالضرورة أمر سيء؟ وهل كل إنسان لديه روتين في حياته؟ وما هو المعيار أو الضابط الذي من خلاله نستطيع أن نحكم على هذا الروتين أنه جيد أو سيء سلبي أو إيجابي.
الروتين هو القيام بعمل أشياء متكررة بشكل دوري، وغالباً بشكل يومي، وهذه الأشياء قد تكون مرغوبة عند الإنسان ويطلبها وقد تكون مفروضة عليه ويجد نفسه ملزماً ومكرهاً بأدائها.
الفكرة السائدة ذهنياً عند الناس أن كلمة روتين كلمة سلبية ومرتبطة بأشياء سلبية مثل الملل والطفش، وهذا صحيح حد ما، لكن السؤال: هل الروتين أمر سيء أم قد يكون شيء جيد ومطلوب.
الروتين أنواع، وتحديد طبيعته تعتمد على نوع الروتين، لكن إجمالاً، الروتين الذي يرتاح معه الإنسان ويشعر بالشغف والإنتاجية والعطاء ويشعر بتجدد طاقته وحماسته فهو روتين إيجابي ومطلوب، والروتين الذي يشعر معه الإنسان بالملل ويمشي إليه بتثاقل ويشعر أنه مفروض عليه فهو روتين سلبي.
الروتين الإيجابي مثل القراءة الثقافية بانتظام وبشكل يومي وفي أوقات محددة، أو الذهاب للجيم أو الجلوس بالساعات لمشاهدة المباريات سواء في المنزل أو بالاستراحات. هذا روتين مطلوب ومفيد بدنياً وذهنياً للإنسان، ويعمل على تجديد طاقاته وإثارة حماسته وتحسين مزاجه وتطوير شخصيته.
القراءة بالمقابل ممكن أن تكون روتين سلبي إذا كانت مفروضة على الإنسان مثل قراءة المناهج الدراسية والمذاكرة والاستعداد للاختبارات، لأنها قراءة موجهة وهي خارج اهتمامات الشخص والمجالات التي يحب أن يقرأ فيها.
كذلك من الروتين السلبي الذهاب للدوام، حيث يجد الإنسان نفسه مضطراً لمغادرة فراشة في ساعات مبكرة من اليوم والدخول في زحمة المواصلات ثم الوصول لمكان العمل والغرق في المعاملات والملفات، وتجد الإنسان بنظر للساعة كثيراً انتظاراً لساعة الهروب من هذا المكان.
هذا الروتين السلبي المرتبط بالعمل قاتل ومحبط، ويجعل التعاسة والكآبة تسيطر على الشخص، خاصة إذا كان العمل يخلو من التقدير والحوافز، وبالتالي تتأثر الإنتاجية، ويفقد الشخص القدرة على التطور الذهني والمهني.
وبالتأكيد كل إنسان لديه روتينه الخاص وطقوسه اليومية المرتبطة برغباته الشخصية، يعني لا يمكن لأي إنسان أن يزعم أنه لا يوجد لديه روتين يومي. فالإنسان الذي يصلي الصلوات في المسجد ويقرأ القرآن بانتظام هو يمارس روتين يومي، والذي يقرأ الأوراد كل صباح ومساء فهو يمارس نوع من الروتين لكنه هذه الأعمال اليومية هي من الروتين الإيجابي المحمود والمرغوب.
والروتين بالمناسبة لا يحتاج لاستعدادات أو تجهيزات، بل هو نتاج أفعال يومية عفوية يفعلها الإنسان أحياناً بدون وعي أو تحضير مثل الجلوس مع الأهل لقهوة المغرب، وهي من الطقوس اليومية عند كثير من العوائل السعودية وتحديداً النجدية.
الإشكالية الآن عند كثير من الناس هي أن البعض يضع روتينه اليومي أو نمط حياته معيار للأفضلية ومن خالف هذا النمط فهو يعيش في روتين كئيب ونمط ممل. هؤلاء الناس لا يؤمنون باختلاف الأذواق الشخصية والأنماط السلوكية ويسمحون لأنفسهم بإصدار الأحكام على الآخرين من منطلقات شخصية وسلوكيات ذاتية تعطي مساحة كبيرة من الاختلاف.
بمعنى، البعض قد يهوى السفر والتنقل، أو يحب الخروج كثيراً للمطاعم والأسواق والمنتزهات، وبالتالي يطعن في الآخرين الذين لا يمارسون نفس هذا النمط أو يطبقونه وأنهم يعيشون في روتين ممل وحياتهم خالية من أي بهجة أو إثارة.
مع أن اللي يجلسون في بيوتهم أو في استراحاتهم كنمط حياة أو روتين يومي قد يكونون في سعادة وبهجة أكبر من هؤلاء المنتقدين، ويمارسون أشياء تبسطهم أكثر مثل مشاهدة المباريات والأفلام أو القراءة أو تصفح النت.
الفكرة أنه لا يوجد معيار ثابت للروتين المثالي فكل شخص ورغباته وهواياته ونمط حياته الخاص، وكل شخص يبحث عن الأشياء التي تبسطه أكثر ويرتاح معها. الأهم أن يشعر الإنسان بالمتعة والإنتاجية والعطاء والسعادة أثناء ممارسة الروتين اليومي، وألا يكون الروتين مصدراً للتعاسة والاكتئاب والقلق.
وهناك نقطة جديرة بالذكر وهي أن تغيير الروتين من وقت لآخر والخروج من نطاق هذا الروتين مهم جداً من باب التغيير، وحتى لا يقع الإنسان أسيراً لهذا الروتين الذي مع الوقت قد يتحول من روتين إيجابي إلى سلبي.
فالحياة مليئة بالأشياء المختلفة التي تبعث على السعادة والبهجة، وتحتاج لأشخاص يملكون الجرأة للتغيير وتجربة أحداث وهوايات وعادات مختلفة قد يصنعون منها روتيناً آخر مفيداً.